في ظل أزمات تواجه الاتحاد العام للشغل.. هل تنهار أكبر منظمة نقابية بتونس؟

في ظل أزمات تواجه الاتحاد العام للشغل.. هل تنهار أكبر منظمة نقابية بتونس؟
الاتحاد العام للشغل في تونس

بعد 79 عاما من التأسيس، بات الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد، بين سندان الأزمات الداخلية ومطرقة الاتهامات، حيث انتقل من مصدر يحرك الاعتصامات ويرفع مطالب بتنحي السلطة قبل سنوات، إلى متهم بالاستحواذ يطالبه الكثيرون بالتنحي. 

وأسس الاتحاد في 20 يناير 1946 قبل 10 سنوات من حصول تونس على استقلالها في 20 مارس 1956، ويقع مقره في تونس العاصمة، حيث ينشط الاتحاد في القطاع العام، وله 24 اتحادا جهويا و19 منظمة قطاعية و21 نقابة أساسية، ويضم حاليا أكثر من  700 ألف منتسب يشكلون 6 بالمائة من سكان البلاد.

يأتي ذلك قبل أن يتعرض لتلك الأزمة الداخلية الأبرز والأكبر بتاريخه، بعد موالاة نسبية منذ وصول قيس سعيد للسلطة، في موقف لم يشهده في سنوات من الخلافات مع السلطة لا سيما في عامي 1972 و1984. 

الاتحاد الذي لم يتخذ موقفا صريحا ضد ترشيح زين العابدين بن علي للانتخابات الرئاسية عام 2004، تحرك ضده في ثورة 2011، ولعب دورا سياسيا مناهضا لحكومة حركة النهضة، وكان أحد رعاة الحوار الوطني الذي أسفر عن تنازل الحركة عن رئاسة الحكومة والإعداد للانتخابات التشريعية في أكتوبر 2014، والرئاسية في ديسمبر 2014، ما جعله يحصد جائزة نوبل للسلام في 2015 لنجاحه في الخروج بتونس من أزمتها السياسية.

ومع وصول قيس سعيد للسلطة وقراراته الاستثنائية في يوليو 2021، لم يتخذ الاتحاد موقفا قويا خاصة مع توقيف عشرات النقابيين واتخاذ قرارات تعسفية ضدهم، فضلا عن تعطل الحوار الاجتماعي مع الحكومة. 

أزمة حادة

ومنذ 6 من شهر فبراير الجاري، عادت مجموعة من داخل المكتب التنفيذي الذي يضم 15 عضوا، يقودها 5 أعضاء للاعتصام بعد آخر منتصف ديسمبر الماضي، وهم: أنور بن قدور وعثمان الجلولي ومنعم عميرة والطاهر المزي وصلاح الدين السالمي، والمعروفين باسم مجموعة الخمسة، بعد فشل الحوار مع قيادة الاتحاد منذ ديسمبر الماضي، حول مطلب رئيسي هو عقد مؤتمر استثنائي يمهّد لانتخاب قيادة جديدة.  

وتشير تقارير صحفية تونسية، إلى أن قيادة الاتحاد بعد مشاورات اقترحت تقديم المؤتمر لسنة 2026 بدلا من 2027 إلا أن المعتصمين رفضوا ومنحوا الأمين العام (نور الدين الطبوبي مهلة جديدة إلى غاية 17 فبراير) حتى يستجيب لمطالب المعتصمين بعقد دورة استثنائية للمجلس الوطني واستكمال أشغاله، والتصويت على النقطة 12. 

وامتد الخلاف إلى مطالب مشابهة بمجموعة الخمسة وأبرزها تسريع عقد المؤتمر في 2025 لا سيما من أقطاب نقابية ذات تأثير داخل الاتحاد في صفاقس وقفصة وتونس. 

وتطالب مجموعة ثانية تعتصم خارج مقر الاتحاد برحيل كل المكتب التنفيذي بما فيه مجموعة الخمسة، وقال منسقها النقابي الناطق الرسمي باسم المعارضة النقابية الطيب بوعايشة، الخميس إن "المنظمة معطلة تماما حاليا، ومشاكل العمال تتراكم، وصورتها اهتزت تماما لدى الرأي العام النقابي والوطني، والمكتب التنفيذي منقسم بسبب الصراعات داخله".

وبرأي بوعايشة، فإن "المنظمة أصبحت مهددة في وجودها وما يحدث داخلها من القيادة البيروقراطية والعبث بمصالح العمال وبمستقبل المنظمة"، مؤكدا أن الاتحاد العام التونسي للشغل بات مهددا بالانقسام الفعلي، لأن السلطة تدعم بشكل كامل المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد ومواصلة اعتصامهم أمام مقر المنظمة الشغيلة، وأفاد بأن بعض هذه الجهات ستلتحق باعتصامهم ليتم تدارس آفاق تطوير هذه الحركة النضالية.

ولم يجب سامي الطاهري الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل على اتصالات للتعليق على الأزمة الداخلية، غير أن عضو اتحاد الشغل كمال الغيلوفي دعا في تصريحات صحفية إلى "نبذ الخلافات الداخلية التي أضرت بالمنظمة وأثرت على أدائها ومست حقوق الطاقة العاملة باعتبارها مثلت عنصر إلهاء عن الهدف الأسمى في العمل النقابي، ألا وهو الدفاع عن حقوق المظلومات والمظلومين"، داعيا إلى توجيه التركيز على نحو مواجهة حملات الاستهداف ومحاولات القضاء على وجود المنظمة. 

وتعود أساس الخلافات إلى يوليو 2021، مع تعديل الفصل 20 من النظام الأساسي الذي أقره مؤتمر طبرقة عام 2010، بتحديد دورات المكتب التنفيذي بدورتين فقط، ليسمح بدورة ثالثة.

ولجأ الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، لهذا التعديل مع اقتراب انتهاء الدورة الثانية له عبر مؤتمر استثنائي بمدينة سوسة عام 2021 لتعديل الفصل 20 من النظام الأساسي، مما سمح بترشحه لدورة ثالثة، وفي 2022 انتخب مجددا لفترة تنتهي 2027، ما أدى لانقسام حاد باعتباره محاولة للبقاء رغم اللوائح وخلق تيار رفض متصاعد، من داخل المكتب التنفيذي والمعروف بمجموعة الخمسة.

وقاطعت مجموعة الخمسة أواخر ديسمبر الماضي اجتماعات المكتب ودعت إلى عقد مؤتمر استثنائي في الربع الأول من العام المقبل، بدلا من الانتظار حتى موعد المؤتمر في فبراير 2027.

خطايا مدمرة 

بدوره حمل الحقوقي التونسي، كريم عبدالسلام، في تصريح  لـ"جسور بوست"، قادة الاتحاد المسؤولية عما يحدث من أزمة حالية، قائلا إنهم "المسؤول الأول عن تعفن الأوضاع بالتعسف على القانون الداخلي وليّ ذراعه والخضوع للاستثناء وعدم التسليم بانتخابات شفافة ونزيهة وضمان التداول".

وأكد أن "تسييس الاتحاد وانشغاله في السياسة طيلة المدة بعد الثورة أدى إلى إنشاء أجنحة تابعة للسلطة وأخرى معارضة، ما نقل المعركة السياسية من مربعها الطبيعي إلى الاتحاد والتخلي عن دوره الاجتماعي".

وشدد على أن "تورط قيادات الاتحاد مع وضد السلطة سهل على السلطة الحالية تعميق الأزمة وتحييد دوره الاجتماعي وتهديده"، ورغم ذلك استبعد كريم عبدالسلام، أن تكون الأزمة الحالية، نهاية للاتحاد.

ومضى قائلا: "لا أعتقد أن ينتهي أبدا.. هو شريك أصلي في النظام، جناح اجتماعي وعنده أكثر من 500 ألف منخرط كلهم في دواليب الدولة، موظفون وعمال من كل القطاعات الحيوية"، متوقعا أن "تبقى الأزمة حادة على أن تليها استفاقة نقابية تعود إلى الخط الحقوقي الاجتماعي الذي لم يخفت صوته إلى الآن". 

الإرث النضالي لاتحاد الشغل

من جانبه، شرح وزير الثقافة التونسي الأسبق وأستاذ علم الاجتماعي الدكتور مهدي مبروك، في تصريح لـ"جسور بوست"، تفاصيل الأزمة، قائلا: "لا أحد يشكك في الإرث النضالي لاتحاد الشغل باعتباره أول نقابة في العالم العربي والإفريقي والذي كان يجمع بين النضال الاجتماعي وما يسميه النضال الوطني، وخاض مجموعة من التحركات ضد الأنظمة تارة تحت اللافتات الاجتماعية وأخرى السياسية".

وتابع: "الاتحاد تم تدجينه أو تهجينه بعهد بن علي وخفض صوته الاحتجاجي ودخل بيت الطاعة وقتها قبل إنقاذ نفسه في الأيام الأخيرة قبل الثورة حيث كانت المسيرة المليونية التي قادها في صفاقس هي النقطة الأهم للثورة ومعها أزفت ساعة الرحيل". 

وأضاف الدكتور مهدي مبروك: "بعد انهيار نظام بن على ارتكب الاتحاد جملة من الأخطاء، الآن يجني أوزارها للأسف دون تقدير منه لقيمة جائزة نوبل، بداية من اصطفافه في معارك سياسية لاستثمار هذه المشروعية وبدء سلسلة تحركات سياسية جعلت من الاتحاد نقابة حزبية وخيمة سياسية لنخب فشلت انتخابيا".

وكان السبب الثاني القاتل، بحسب مبروك، هو تعديل قيادة الاتحاد الفصل 20 للاستمرار في رئاسته، ما عزز الانشقاقات والتصدعات الداخلية، مضيفا إلى ذلك سببا ثالثا للأزمة يتمثل في المناخ السياسي الذي لا يعترف فيه الرئيس قيس سعيد بأي أجسام وسيطة كالنقابات أو الأحزاب، ما أدى انقطاع جسور الحوار بين الاتحاد المعتادة في أنظمة سابقة مع النظام والحكومة لإقرار مطالب أعضاء الاتحاد، وتهميشه المتعمد.

ويرى أن تحرك مجموعة الخمسة بمثابة عودة للوعي متأخرة ومحاولة للقفز من المركب للنجاة، خاصة في ظل استياء شعبي ونقابي داخلي، وينضم لتلك التحركات مجموعة المعارضة النقابية باعتصامات ودعوات لتنحي القيادات كلها، متوقعا أن تلك الأزمة الحادة ليست هيكلة ولكن في بنية الاتحاد ووجوده، ومرشحة للتصعيد إلا إذا تدخل حكماء ودعوا لعقد مؤتمر استثنائي للعودة للقواعد النقابية.

ولا يحبذ الدكتور مهدي مبروك، طرح تنحي المكتب، قائلا: "أولا المكتب التنفيذي يمثل أغلبية بعدد 10 مقابل 5 فقط تطالب بمؤتمر استثنائي ولو جدلا سلمنا بهذا ورأينا استقالة أغلبية، فهذا سيحدث فراغا كبيرا غير مسبوق لن يستطيع الاتحاد مجاراته"، مشددا على أن أسلم حل هو الذهاب لمؤتمر استثنائي في أسرع وقت أو الصيف المقبل.

ويعتقد أن الرئيس قيس سعيد لن يتدخل لحل أزمة الاتحاد الأكبر البلاد، متوقعا أنه سيترك ليتفكك داخليا ويصارع نفسه قياسا على تهميشه المتواصل للاتحاد، حتى يظل ضعيفا ولا يستطيع أن يواجه السلطة كما كان سابقا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية